عاجل

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

كيف يختار المسلمون حاكمهم ؟

كاتب المقال: د: جمال المراكبي
 نتكلم الآن – بعون الله تعالى – عن كيفية الاختيار ، وهل هناك قواعد شرعية ثابتة في ذلك الاختيار ، وقبل أن نخوض غمار هذا الموضوع نمهد له بمقدمات هامة
أولاً : ينبغي على المسلم أن يكون لبنة صالحة في بناء المجتمع المسلم .
بمعنى أن يكون عاملاً على إرساء دعائم النظام الإسلامي فيما يتعلق بخاصة نفسه ، وفي حدود سلطانه ، وفي المجتمع المسلم كله فيشارك في تدعيم النظام الإسلامي بطاعته لأولى الأمر ومناصحتهم وقبل ذلك بالمشاركة في اختيارهم حسب توجيهات الإسلام وتعاليمه ثم بمعاونتهم ونصرتهم في الحق ، ومحاسبتهم ومساءلتهم إذا تجاوزوا حدودهم ، وأخيراً بعزلهم وترشيح غيرهم إذا عجزوا عن مهام المناصب الموكولة إليهم ، وليكن قدوته في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد اهتموا بأمر الاختيار والبيعة اهتماماً جعلهم يقدمون هذا الأمر على تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه ، وقد حرصوا على أن يكون الاختيار معبراً عن إرادة الأمة وملائماً لما تقضيه مصلحة المسلمين .
ثانياً : لقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الاختيار وما يتعلق به للأمة .
فلم يبين من يخلفه في قيادة الأمة. يدل على ذلك قول عمر : " إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى – يعنى أبا بكر – وإن أترك فقد ترك من هو خير منى – يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) لقد ترك الشرع الحنيف أسلوب الاختيار إلى الأمة لتمارس الطريقة التي تراها محققة لمصالحها على ضوء ما يقدمه عصرها وواقعها من تجارب نافعة ورأى مفيد ، وقد كان اختيار الراشدين تجسيداً لهذه الحقيقة فلم يتقيدوا في الاختيار بطريقة واحدة .
ثالثاً : إن طرق الاختيار التي سلكتها الأمة في عهد الراشدين تعد من قبيل السوابق التاريخية التي يستأنس بها المسلمون في اختيارهم وشوراهم، فالواجب هو الاختيار الحر المبنى على الشورى ، أما الوسيلة المتبعة فهى خاضعة لسنن التطور ، وما لدى الجماعة المسلمة من إمكانات لتحقيق هذا الاختيار الحر ، وهذه إحدى نقاط الالتقاء بين النظام السياسي الإسلامي وبين الديمقراطية ، وهى التي جعلت – بعد – المفكرين يعدونه نوعاً من الديمقراطية .
هذا وقد عرف الفكر السياسي الإسلامي طرقاً عديدة لتعيين الخليفة استلهمها من واقع المسلمين ، منها ما هو مشروع يتماشى مع روح الإسلام وتعاليمه كالاختيار عن طريق أهل الحل والعقد ومبايعة جماهير المسلمين ، والاستخلاف والبيعة ، ومنها ما هو غير مشروع في ذاته وإنما فرض على المسلمين وتعايشوا معه درءاً للفتنة ودفعاً لأكبر الضررين وهو ما يُعرف بالتغلب والقهر .
الاختيار والبيعة : وهذه الطريقة من أفضل الطرق المشروعة .
وتجد مستندها في الكتاب والسنة والإجماع وسوابق اختيار الراشدين وأقوالهم في ذلك. أما القرآن فقول الله تعالى : " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " ( آل عمران : 159 ) وكذا قوله في معرض المدح لجماعة المسلمين : " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " ( الشورى : 38 ) وأما السنة فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف ، فدل تركه النص والاستخلاف على أن هذا حق الأمة تختار من تراه أهلاً للقيام على أمرها ، وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب للمسلمين كتاباً يعهد لهم فيه ، ثم بدا له فترك ذلك للأمة (2) .
وأما الإجماع:فقد أجمع المسلمون في العصر الأول على جواز انعقاد الإمامة بالاختيار، ولا يقدح في هذا الإجماع ما ادعته الرافضة من القول بالنص. وأما سوابق اختيار الراشدين فنذكر منها اختيار أبى بكر بعد ما دار في سقيفة بنى ساعدة ، ثم مبايعة المسلمين بعد ذلك في المسجد (3) ، واختيار عثمان بعد مشاورات دامت ثلاثة أيام (4) ، واختيار على بن أبى طالب وإصراره على تكون بيعته في المسجد على رؤوس الأشهاد (5) ومن أقوال الصحابة في ذلك قول عمر : " من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يُقتلا " (6) وقول على : "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهداً نأخذ به في إمارة ولكنه شىء رأيناه من قبل أنفسنا " (7) .
أهل الاختيار :هم أهل الحل والعقد ، وهم أهل الشورى الذين يتولون ترشيح الرئيس ، والمفاضلة بين المرشحين ، ومناصحة الخليفة – الرئيس – ومحاسبته ، بل عزله إن اقتضى الأمر ذلك ، وجماهير المسلمين تبع لهم في كل ذلك ، ولهذا حرص أكثر الفقهاء على تمييز هذه الفئة وبيان الشروط التي تميزها عن غيرها ، وتحديد عدد أفرادها ولهم في ذلك اجتهادات .
أما عن شروط أهل الاختيار فإنها تنقسم إلى قسمين :
الأول :أن يكونوا من أهل الولاية العامة – الكاملة – وهذا يشمل الإسلام والعقل والحرية والذكورة .
الثانى :أن تتوافر فيهم شروط خاصة تبرز الواحد منهم عن غيره من عوام الناس . وهى العدالة الجامعة لشروطها والعلم الذي يتوصل به إلى معرفة المستحق للرئاسة ، وأن يكون الواحد منهم ملماً بثقافة عصره ، معروفاً بحسن الرأى وبالحكمة .
أما عن عدد أهل الاختيار ، فقد تباينت أقوال الفقهاء في ذلك والراجح أن هذه الفئة تتميز بصفاتها لا بعدد أفرادها ، ولا مانع من تنظيم ذلك بحسب المصلحة ، ولا يجب في اختيار المرشح للرئاسة إجماع هؤلاء ، أو أغلبية معينة منهم ، بل يكفي في ذلك ترشيح جمهور أهل الحل والعقد ، ومبايعة جماهير المسلمين . هذا هو الراجح من أقوال أهل العلم ، وهو القول الثابت أمام الانتقاد ، والموافق لظروف العصر والمبنى على التوسط والاعتدال في تحقيق الاختيار الشورى الحر .
الخطوات المتبعة في عملية الاختيار :-
أولاً :تصفح أحوال المرشحين لتولى منصب الرئاسة ممن توافرت فيهم شروطها ، والترجيح بين المرشحين لتقديم أفضلهم وأقدرهم على تحمل أعباء هذا المنصب الخطير ولكن هل يمكن تقديم أكثر من مرشح في حالة تعدد المرشحين وتكافئهم ليقـول الشعب كلمته في اختيار أحدهم ؟
إن السوابق التاريخية لم تسمح لنا بمثل هذه الحالة ، بل كان أهل الحل والعقد يتولون عملية الترجيح ليقدموا للأمة أفضل المرشحين لمبايعته ومع هذا فليس هناك ما يمنع من ذلك شرعاً خاصة وقد بينا من قبل أن الإسلام لم يقيد الشورى بأسلوب معين . وإنما ترك الأسلوب والشكل للأمة تمارسه بما تراه محققاً لمصلحتها .
ثانياً :قبول المرشح تحمل هذه الأمانة ، وهذا شرط لازم لأن الإمامة عقد والتراضي ركن من أركانه ، ومن حق المرشح أن يقبل هذا المنصب وهذا العبء أو يرفضه لأنه من فروض الكفايات .
ثالثاً :البيعة العامة من جماهير المسلمين .
ويحاول البعض أن يقلل من قيمة هذه البيعة، وأن يجعلها عملية شكلية تعلن فيها الجماهير عن دخولها في الطاعة وتأييدها لما يراه أهل الحل والعقد، بحيث يكون وجودها وعدمه سواء.
والحق أن ما يقوم به أهل الحل والعقد ما هو إلا ترشيح منهم لمن يرونه أهلاً لتولى عبء هذا المنصب ، وغالباً ما يكون لهذا الترشيح قوته عند الجمهور لما لأهل الحل والعقد من منزلة في نفوس الناس ، ولكن هذا لا يعنى عدم أهمية البيعة العامة وجدواها .
روى البخارى عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهَّدَ ، وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا – يريد بذلك أن يكون آخرهم – فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات ، فإن الله عز وجل قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانى اثنين ، فإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه . وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بنى ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر .
قال الزهري عن أنس : سمعت عمر يقول لأبى بكر يومئذ : اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس (8) .
فلو كانت بيعة السقيفة كافية لما كان هناك داع لجلوس الصديق لتلقى البيعة ، ولما جلس عمر يعدد لهم مزايا أبى بكر ومناقبه وأنه أولى الناس بأمورهم ، وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية : فالصديق استحق الإمامة لإجماعهم عليه، ولو قدر أن أبا بكر بايعه عمر وطائفة وامتنع سائر الصحابة عن بيعته لم يَصِرْ إماماً بذلك ، وإنما صار إماماً بمبايعة جمهور الناس (9) .
مدة الرئاسة : لم يعرف النظام السياسي الإسلامي تحديداً لمدة الرئاسة ، فالخليفة يظل في منصبه ما دام أهلاً لشغل هذا المنصب فإذا زالت عنه هذه الأهلية بفقد بعض الشروط أو بعجز أو نحوه فإنه يترك منصبه لمن هو أهل له وأجدر به .
والسوابق التاريخية في عهد الراشدين وبعده تؤكد ذلك ، ومعظم كتابات المفكرين والباحثين في الفكر السياسي الإسلامي تؤكد ذلك .
ولكن هل هناك ما يمنع من تحديد – تأقيت – مدة الرئاسة ؟
والجواب.. ليس هناك ما يمنع من تأقيت مدة الرئاسة إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ، أما إذا كان فيه مفسدة فيمنع لدفع هذه المفسدة ، فالشورى في الإسلام لا تتقيد بأسلوب معين ، ولا تتقوقع في قالب ثابت ، بل تساير ظروف الزمان والمكان ، وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله .
لا شك أن هذه الطريقة هي أفضل طريق لتحقيق الشورى في عملية الاختيار المؤدى إلى إفراز أفضل العناصر التي تقوم على أمر المسلمين . وأهل الحل والعقد هم أجدر الناس بتحقيق هذا الاختيار ، لأنهم أهل العلم والفضل ، والناس دائماً تبع لهم .
والله من وراء القصد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق