عاجل

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

فضيحة المواد فوق الدستورية


قد يرى البعض أن ما اخترعه التيار العلماني وأسماه" المواد فوق الدستورية " – هو مخالفة دستورية أو قانونية أو عبث سياسي أو انتهازية سياسية من أناس شديدي الأنانية والانغلاق على أنفسهم ومصالحهم مع الاستعلاء على شعبهم، مما جعلهم يصوغون ما يضمنون به بقاءهم في المشهد السياسي أو بقاء مبادئهم التي تخالف مبادئ أغلبية مو...اطنيهم في واقع الحياة المصرية.

بيد أني أرى أن الأمر وإن كان فيه كل ما سبق وأضعافه إلا أنه إضافة إلى ذلك يمثل فضحية مدوية لأولئك الناس الذين يرون أنفسهم " سوبر مواطنين" ، والذين وضعوا من تلقاء أنفسهم مواد تحافظ على أفكارهم وأيديولجياتهم، وحاولوا استغفال الملايين من المصريين فزعموا أنها لحماية الدستور بعد أن عرفوا أن كل انتخابات نزيهة سترمي بهم في أقرب سلة مهملات للعمل السياسي ، وبعد أن عرفوا أن كل ما سيصوغونه من اقتراحات وما يطالبون به من مواد دستورية مصيره الرفض التام من الأغلبية الساحقة لهذا الشعب الثائر.

وجه الفضيحة في ذلك – ولها وجوه كثيرة- أنهم أصبحوا كالتلميذ البليد التعيس الذي اعتاد أن ينجح في الامتحان بالغش والتزوير بمساعدة المدرس الخائن والمدير معدوم الضمير – فلما عرف أن لا سبيل إلى النجاح بعدما تغيرت إدارة المدرسة ومنع الغش في الامتحانات ، سارع ذلك التلميذ التعيس يطلب من وزارة التعليم أن تضيف بنودا في لائحتها تضمن نجاح الطلاب الفاشلين واستمرارهم في مقاعد الدراسة!

الذين فشلوا في امتحانات التعديلات الدستورية وعلموا بعجزهم المحقق عن النجاح السياسي في ظل النزاهة وغياب التزوير راحوا يفرضون أنفسهم على الناس وعلى الشارع بطريقة العضلات والفتونة، على نحو ما يفعل البلطجية والمسجلين خطر !

ولو كان أولئك المتعصبون الديكتاتورين يقولون عن أنفسهم " إنهم بلطجية ويفرضون آراءهم بـالنبوت" ، أو " أنهم فاشيون ويفرضون آراءهم بالحديد والنار " لكان علينا أن نسترجع فحسب ، وأن ننعي حظنا لأنّ نخبتنا الموقرة "فتوات" أو " فاشيون" . لكن القوم كانوا ومازالوا يصدعون رؤوسنا بأنهم ديمقراطيون، لبراليون، حداثيون، تنويريون، متفتحون، تعدديون!! فلا تملك الأغلبية المسكينة التي هي – بمنظور النخبة- رجعية متخلفة متحجرة ، لا تملك إلا أن تضرب كفا على أخرى حين ترى الديمقراطية المزعومة تفرض بـ" النبوت" ، والحداثة والتنوير – بالصيغة العلمانية- يصير المواطن إليهما وهو مغمض العينين مغلول اليدين خلف الظهر !! وكل ذلك من أجل إرضاء النزوات والشهوات الفكرية لآباء اللبرالية وكهنة الحداثة في مصر .

أليس من الفضحية أن دعاة الديمقراطية والمدنية يمهدون ويؤسسون لتدخل العسكر في الحياة السياسية في أية لحظة تحت دعوى حماية المبادئ فوق الدستورية التي صاغها منظري اللبرالية والديمقراطية والدولة المدنية!

هل تحولت الديمقراطية من حكم الشعب للشعب إلى حكم النخبة العلمانية للشعب وفرض الوصاية عليه، وأن تصبح أفكارها وآراؤها دستورية ، بل فوق دستورية؟!

أليس من الفضحية أن دعاة المساواة ومقاومي جميع أنواع التمييز بين أبناء الوطن الواحد يجعلون من أنفسهم طبقة " ارستقراطية" سياسيا لا يلزمها حكم الشعب ولا اختيار أغلبيته ولا قوانينه ولا دستوره ، بل تفرض هي على الجماهير الغفيرة آراءها وأفكارها وتجعلها فوق إرادة الشعب ، بل فوق دستوره!

هل سمع أهل الأرض بمثل هذا التسامح والإخاء والاعتدال وتلك المساوة والديمقراطية والتعددية التي تقوم بها نخبتنا الحداثية المتنورة ؟!

لم يقل لنا أولئك الناس - الذين يجعلون من أنفسهم " أفرادا فوق المواطنين" - على أي شيء استندوا عندما جعلوا رؤاهم وأفكارهم فوق دستورية؟

هل صاروا آلهة لتكون أقوالهم فوق الدستور والقانون ؟

ومن الذي خولهم هذا الحق لا ليضعوا مواد دستورية فحسب ،بل فوق دستوربة؟

هل لأنهم سادة ونحن – الأغلبية- عبيد؟

هل لأنهم مثقفون ونحن – الأغلبية- جهال؟

هل لأنهم مصريون أصلاء ونحن – الأغلبية- مهجنون؟

ماذا يظنون بنا معشر المصريين؟

هل سنصدقهم في زعمهم أنهم فيما صاغوه كانوا يمثلون كل شرائح الشعب وأطيافه مع علمنا اليقيني أنهم أبناء " كار " علماني واحد ؟

هل سننخدع بالزخرفة الساذجة التي وضعها المتآمرون على هوية مصر ، بأنْ ضمنوا موادهم فوق الدستورية ما ينص على كون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي واللغة العربية هي اللغة القومية والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع - مع التنصيص المتكرر السابق واللاحق على أن الدولة مدنية حديثة ، وهو مصطلح مرادف للدولة العلمانية في مفهوم وعرف النخبة المفتاتة على الشعب المصري العابثة بمقدساته ومسلماته ومرجعياته وتراثه؟

كلا أيها الإقصائيون المفتاتون علينا لقد انقضى زمن الخداع ، وتجاوز الشعب مرحلة الوصاية البغيضة التي كنتم تفرضونها عليه ، وسوف يختار بنفسه - بعيدا عنكم- دستوره ومرجعيته.
مشاهدة المزيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق