عاجل

الخميس، 30 يونيو 2011

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

نبذة :
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قدر أن رجل يصوم النهار ويقوم في الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب الله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه".
 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنّ من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل ويباعد من رحمته.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلته عظيمة، وقد عدّه العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدّمه الله عز وجل على الإيمان كما في قوله تعالى: {كُنتُم خَير أُمةٍ أخرجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنَهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} [سورة آل عمران: من الآية 110].

وقدّمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: {وَالمُؤمِنَُونَ وَالمُؤمنَاتُ بَعضُهم أولياءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنَهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَلاةَ وَيُؤتُونَ الزكاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ وَرَسُولهُ أُولَئِكَ سَيرحمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزِيزُ حَكِيمُ} [سورة التوبة: 71].

وفي هذا التقديم إيضاح لعِظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب. وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرّق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.

ومن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:

أولًا: أنّه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام، قال تعالى: {وَلَقَد بَعَثنَا فيِ كُلِ أُمةٍ رَسُولاً أن اعبدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الَّطاغُوت} [سورة النحل: من الآية 36].

ثانيًا: أنّه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: {التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بالمعروف وَالنَّاهُونَ عنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لحُدُودِ اللهِ وَبَشِرِ المُؤمِنِينَ} [سورة التوبة: 112].

على عكس أهل الشر والفساد {المُنَافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنَهَونَ عَن المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أيدِيَهُم نَسُوا اللهَ فَنَسِيهُم إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [سورة التوبة: 67].

ثالثًا: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين، قال تعالى: {لَيسُوا سَواءً من أهلِ الكتَابِ أُمةُ قَائِمةُ يَتلُونَ آياتِ اللهِ آناء الليلِ وَهُم يَسجُدُونَ (113) يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوم الآخِرِ وَيَأمرونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَن المُنكَر وَيُسَارِعُونَ في الخَيراتِ وَأولئِكَ منَ الصَّالِحُينَ (114)} [سورة آل عمران: 113-114].

رابعًا: من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {كُنتُم خَيرَ أُمةٍ أُخَرِجَت للِنَّاسِ تَأمرونَ بِالمَعرُف وتَنهُونَ عنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ بِالله} [سورة آل عمران: من الآية 110].

خامسًا: التمكين في الأرض، قال تعالى: {الَّذيِنَ إن مَّكَّناهُم في الأرضِ أقَامُوا الصَّلاةَ وأتُوا الزَّكاةَ وأمرُوا بِالمعُروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَر وَلله عَاقِبَةُ الأُمورِ} [سورة الحج: 41].

سادسًا: أنّه من أسباب النصر، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنِ يِنَصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوىُّ عَزيزُ (40) الَّذيِنَ إن مَّكَّناهُم في الأَرضِ أقَامُوا الّصلاةَ وأتُوا الزكاةَ وَأمَرُوا بِالمعرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وللهِ عَاقِبةُ الأمُورِ} [سورة الحج: 40-41].

سابعًا: عظم فضل القيام به كما قال تعالى: {لاّ خَيرَ في كَثِيِرٍ مِنّ نَّجوَاهُم إلاّ مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعروفٍ أو إصلاحِ بَينَ النَّاس وَمَن يَفعَل ذَلكَ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجراً عَظِيماً} [سورة النساء: 114].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» [رواه مسلم].

ثامنًا: أنّه من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [رواه أحمد].

تاسعًا: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا. وإذ تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعُطّلت رايته ؛ ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:

1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا فَتنَةً لا تُصِيبَنَ الذين ظَلَمُوا مِنكُم خاصة} [سورة الأنفال: من الآية 25].

وعن حذيفة مرفوعاً: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» [متفق عليه].

ولما قالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: "أنهلك وفينا الصالحون؟". قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعم إذا كُثر الخبث» [رواه البخاري].

2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم» [رواه أحمد].

3- انتفاء خيرية الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: «والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم» [رواه أبو داود].

4- تسلط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمراؤه.

5- ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلم حالك لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.

أخي المسلم:

قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قدر أن رجل يصوم النهار ويقوم في الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب الله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه".

خطوات الإنكار والأمر:

أولًا: التعريف، فإنّ الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكرا، فيجب إيضاحه له، ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن أدب ولين ورفق.

ثانيًا: الوعظ؛ وذلك بالتخويف من عذاب الله عز وجل وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون بذلك شفقة ورحمة له.

ثالثًا: الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإصراره.

رابعًا: التكرار وعدم اليأس فإنّ الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه التوحيد، وحذروا من المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.

خامسًا: إهداء الكتاب والشريط النافع.

سادسًا: لمن كان له ولاية كزوجة وأبناء، فله الهجر والزجر والضرب.

سابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة النّاس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.

أخي المسلم:

درجات تغيير المنكر ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله من المنكر الذي حرّمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضاً لشيء من المحرمات أصلاً لم يكن معه إيمان أصلاً".

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فالله الله إخواني، تمسكوا بأصل دينكم، أوله وآخره أسّه ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلاّ الله واعرفوا معناها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطاغوت، وعادوهم وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما عليّ منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلّفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه أو أولاده".

أخي المسلم:

شاع في بعض أوساط النّاس الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبروا ذلك تدخلًا في شؤون الغير؛ وهذا من قلة الفهم ونقص الإيمان، فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: "يا أيّها النّاس! إنّكم لتقرؤون هذه الآية: {يَا أيُها الَّذِينَ أمنُوا عَلَيكُم أَنَفُسَكُم لاَ يَضُرُكُم مَّن ضَلّ إذَا اهتَدَيتُم} [سورة المائدة: من الآية 105] وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»" [رواه أبو داود].

وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» [رواه البخاري].

ومع الأسف الشديد ظهرت في بعض المجتمعات ظاهرة خطيرة وهي الاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولمزهم وغمزهم، والله عز وجل قد توعّد الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بعذاب أليم.

وننبه الأحبة الكرام إلى خطورة الأمر، قال في حاشية ابن عابدين: "إن من قال: (فضولي) لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتد".

وفي (الدر المختار) قال في فصل الفضولي: "هو من يشتغل بما لا يعنيه، فالقائل لمن يأمر بالمعروف: أنت فضولي، يخشى عليه الكفر".

اللّهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنّك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق